قصة الامام العباس عليه الاسلام الجميله اقرا وشوف
صفحة 1 من اصل 1
قصة الامام العباس عليه الاسلام الجميله اقرا وشوف
الاهداء
إلى كل الذين سارو على خط الحسين في الطريق إلى كربلاء ...
لم يبق مع سيدنا الحسين ( عليه السَّلام ) أحد ، لقد استشهد أصحابه ، و أهل بيته هوت أجسادهم فوق رمال الصحراء ... و عرّجت أرواحهم نحو السماء ، لم يبق مع الإمام أحد سوى أخيه العباس .
الراية ما تزال تخفق في يده ، و لو قُدّر للمرء أن يشاهد العباس في تلك اللحظات الرهيبة ، لرأى فارساً في الرابعة و الثلاثين من عمره ، يقف إلى جانب أخيه ، ينتظر لحظة الانقضاض على أولئك الأوغاد الذين تنكّروا لكلّ المبادئ و المثل الإنسانية .
لم يعد العباس يتحمّل أكثر ممّا رأى من الأهوال ، و هو يشاهد تساقط الرجال المؤمنين ، شهداء بأيدي الأوغاد ، لقد حانت لحظة الثأر ، من أجل كلّ المظلومين و المقهورين .
التفت العباس إلى أخيه العظيم و قال بأدب :
ـ يا سيدي ! ضاق صدري من هؤلاء المنافقين ، و أُريد أن آخذ ثأري .
سكت سيدنا الحسين لحظات قبل أن يجيب . لم تسمح له نفسه أن يأذن لأخيه بالانطلاق إلى الموت ، فقال :
يا أخي أنت صاحب لوائي !
أراد أن يقول له أن راية المقاومة في كفّك ، فإن سقطتَ شهيداً ، فستسقط معك ، و سوف يهجم آلاف الذئاب على الأطفال و النساء ، سيحرقون الخيام .
كان العباس ينظر إلى أخيه ، ينتظر الإذن ليبدأ الهجوم .
قال الإمام بحزن :
ـ اطلب لهؤلاء الأطفال ماءً .. إنهم يذوبون عطشاً .
تقدّم الفارس إلى حيث العساكر تنتظر . نادى العباس بصوت مرتفع :
ـ يا عمر بن سعد !
هذا الحسين ابن بنت رسول الله .... قد قتلتم أصحابه و أهل بيته ، و هؤلاء عياله و أولاده عطاشى ، فاسقوهم من الماء ... لقد أحرق الظّمأ قلوبهم .
و لكن لا جواب .. بقي نداء العباس دون جواب ، لقد تحوّل أولئك الأوغاد إلى وحوش ، بل إلى أسوأ من الوحوش .
صاح الشّمر كخنزير متوحّش :
ـ يا بن أبي تراب ! ... لو كان وجه الأرض كلّه ماءً ، و هو تحت أيدينا ، لما سقيناكم منه قطرة ، حتى تبايعوا يزيد بن معاوية !
عاد العباس ليخبر أخاه الحسين بوقف اولئك الأوغاد ... امتطى الفارس صهوة جواده ، و تأهّب للهجوم ، ألقى نظرة وداع على المخيم ، كان الأطفال يبكون بمرارة ... و كانت النساء تبكي ... الأطفال يبكون من أجل آبائهم و إخوانهم و أعمامهم ، يبكون من ألم العطش ، يبحثون عن قطرة ماء .
تفجّر في قلب العباس بركان غضب .
غضب ابن عليّ من أجل الأطفال ، من أجل ظمأهم ، و غربتهم في هذه الصحراء .
إلى الفرات
أخذ الفارس " القِربة " و انطلق باتجاه الفرات ، كان هدفه أن يسقي هؤلاء الأطفال الأبرياء قطرات ماء .
ها هو العباس يندفع باتجاه الشواطئ ... مخترقاً غابة من أشجار النخيل ، و آلاف الذئاب التي تحاصر النهر .
كانت الراية تخفق عالياً فوق هامة الفارس الهاشمي ، و هو يتقّدم باتّجاه الفرات .
و دارت معارك ضارية ... و الجنود الأوغاد يعوون كالذّئاب ، و هم يعترضون فارس كربلاء ... و كان سيف العباس كالصاعقة ، تحرق الذئاب و الخنازير ... و كانت السهام تنهال على الفارس كالمطر ، و كان الفارس يمضي قدماً باتجاه الشواطئ .
عجز مئات الفرسان عن إيقاف تقدّم فارس بني هاشم .
و ها هو العباس يقتحم نهر الفرات ... و ها هو رشاش المياه يتطاير بين حوافر الحصان .
شعر الحصان ببرودة المياه ، فراح يرتشف من المياه المتدفّقة
نصح عقيل أخاه أن يتزوّج فاطمة بنت حزام ، و كانت امرأة جليلة القدر . و كانت قبيلتها معروفة بالشجاعة و الإقدام ، لهذا جمع العباس شجاعة والديه ، فكان بطلاً مقداماً .
في الرابع من شعبان فتح الصّبي عينيه ليرى والديه يبتسمان له ، و يغمرانه حبّاً و رحمة ... و عندما نشأ عرف أن له إخوة و أخوات فأحبّهم جميعاً .
و عندما بلغ الرابعة عشرة من عمره ، اندلعت حرب صفين بين أبيه أمير المؤمنين ، و بين معاوية ابن أبي سفيان .
وقف إلى جانب والده و اشترك في المعارك رغم صغر سنّه .
و في رمضان سنة 40 هجري ، فجع العباس باستشهاد والده في محراب المسجد . و من ذلك الوقت لازم أخاه الحسين بن عليّ .
كان يحبّ أخويه الحسن و الحسين ، لأنّهما ابنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، و كان لا يخاطبهما إلاّ بـ " يا سيدي " و كان الحسن و الحسين يحبّانه لإيمانه و أخلاقه . لهذا أشرفا على تربيته ، حتى أصبح عالماً و فقيهاً .
و في سنة 50 للهجرة ، دسّ معاوية السمّ إلى الإمام الحسن ( عليه السَّلام ) لهذا لم يفارق العباس أخاه الحسين لحظة واحدة .
كان بنو هاشم جميعاً يحبّون العباس ، و يفخرون به و يسمّونه " قمر العشيرة " .
الطريق إلى كربلاء
عندما مات معاوية ، جاء إلى الحكم بعده يزيد . أصبح يزيد خليفة على المسلمين بالقوّة . كان يزيد رجلاً فاسقاً ، يشرب الخمر ، و يقضي وقته في اللعب مع الكلاب و القرود ... فكيف يصبح خليفة على المسلمين ؟!
لهذا رفض سيدنا الحسين أن يبايع يزيد .
و من ذلك الوقت و العباس لم يفارق أخاه الحسين . ذات ليلة و عندما أراد حاكم المدينة المنورة أن يأخذ البيعة من سيدنا الحسين بالقوّة ، جمع الإمام أهل بيته ، و كان عددهم ثلاثين رجلاً
و أمرهم أن ينتظروا أمام قصر الحاكم ، فإذا سمعوا صوت الإمام يعلو فعليهم أن يقتحموا القصر .
وقف سيدنا العباس بن عليّ على أهبة الاستعداد ، و هو يصغي إلى ما يدور داخل القصر .
مضت ساعة بعدها سمعوا سيدنا الحسين يهتف :
ـ أيّها الأمير إنّا أهل بيت النبوّة ، و معدن الرسالة ، و مختلف الملائكة ، بنا فتح الله ، و بنا يختم ، و يزيد رجل شارب الخمور ، و قاتل النفس المحرّمة ، معلن بالفسق ، و مثلي لا يبايع مثله ، و لكن نصبح و تصبحون ، و ننظر و تنظرون ، أيّنا أحقّ بالخلافة .
و هنا اقتحم العباس القصر ، و طرد الحراّس ، و دخل إلى مكان الاجتماع ، و نهض الحسين ليغادر القصر ، وسط الرجال المسلّحين من بني هاشم .
رافق سيدنا العباس أخاه الحسين ( عليه السَّلام ) في كل مكان كان يذهب اليه ... ذهب معه إلى مكة ، و من مكة غادرت قافلة سيدنا الحسين إلى الكوفة ، استجابة لأهاليها .
كان أهالي الكوفة يشكون ما حلّ بهم من ظلم على يد معاوية ، و ابنه يزيد ... كانوا يحنّون إلى عدل عليّ ( عليه السَّلام ) .
لهذا بعثوا آلاف الرسائل إلى ابنه الحسين ( عليه السَّلام ) من أجل أن يأتي و يحرّرهم من الظلم و القهر و الاستبداد .
في كربلاء
قُطع الطريق على قافلة الحسين في منطقة تدعى كربلاء ... و ذلك في 2 / محرم / سنة 61 هجري ، ( 2 / تشرين الاول / 680 / ميلادي ) .
و في يوم 7 / محرّم ، فرض جيش يزيد الحصار على معسكر الحسين ، و قطعوا عنهم الماء .
كان الأطفال يبكون من أجل الماء ... لم يتحمّلوا عطش الصحراء .
لهذا استدعى سيدنا الحسين أخاه أبا الفضل ، و أمره أن يقصد نهر الفرات ، و يجلب الماء للأطفال و النساء .
و في منتصف الليل امتطى العباس مع ثلاثين فارساً صهوات جيادهم و معم عشرون من المشاة يحملون القِرَب ... و انطلقوا صوب النهر ... و في قلب الليل خاض العباس و فرسانه معركة ضارية ، تمكّنوا فيها من اقتحام شواطئ النهر .
و هكذا راح عشرون رجلاً من أصحاب الحسين يملأون القرب ، فيما كان العباس و قوّاته يقاتلون دفاعاً عنهم ، حتى إذا ملأوا القرب بالماء عادوا إلى المخيم .
و في تلك الليلة ، شرب الأطفال ماءً بارداً عذباً ، و ناموا بسلام .
الاربعاء 8 / محرّم
حل المساء ، و انتشر الظلام ، و امتلأت السماء بالنجوم . أراد سيدنا الحسين أن ينصح قائد جيش يزيد " عمر بن سعد " ، و يحذّره من طاعة يزيد الفاسق .
أرسل سيدنا الحسين أحد أصحابه و هو " عمرو بن قرظة الأنصاري " اليه ليجتمع معه بين العسكرين .
خرج الإمام الحسين و معه عشرون فارساً ، و جاء عمر بن سعد في عشرين فارساً أيضاً .
نزل سيدنا الحسين عن جواده ، و أمر فرسانه بالعودة ، باستثناء أخيه العباس ، و ابنه عليّ الأكبر .
فعل عمر بن سعد ذلك أيضاً فأمر بعودة الفرسان ، ما عدا ابنه حفص و مولاه ذويد .
بدأ سيدنا الحسين الحوار فقال :
ـ يا ابن سعد ! أتقاتلني أما تتّقي الله الذي إليه معادك ؟
فأنا ابن من قد علمت ! ألا تكون معي و تدع هؤلاء فإنّه أقرب إلى الله تعالى ؟
قال عمر بجُبن :
ـ أخاف أن يهدموا داري !
قال سيدنا الحسين :
ـ أنا أبنيها لك .
قال عمر :
ـ أخاف أن يصادروا بساتيني .
أجاب الإمام :
أنا أعطيك خيراً منها في الحجاز .
قال عمر بخنوع :
أخاف على عيالي بالكوفة ... فقد يقتلهم ابن زياد !
أدرك سيدنا الحسين أن ابن سعد رجل جبان ، يحبّ الدنيا ، و يريد أن يعيش على فُتات موائد الظالمين .
قال الإمام و هو يكشف عن مستقبل ابن سعد في ظلّ يزيد :
ـ ما لك ! ذبحك الله على فراشك عاجلاً ، و لا غفر لك يوم حشرك . فوالله إنّي لارجو أن لا تأكل من برّ ( قمح ) العراق إلاّ يسيراً ( قليلاً ) .
قال ابن سعد ساخراً :
ـ في الشعير كفاية .
و هكذا انفضّ الاجتماع ، و عاد سيدنا الحسين مع أخيه و ابنه إلى المخيم .
كانت الكتائب تصل تباعاً من الكوفة ، كتائب مؤلفة من مئات الجنود ، كلّهم من أهالي الكوفة ، جاءوا يحاربون ابن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) !!
و أخيراً وصل شمر بن ذي الجوشن على رأس أربعة آلاف مقاتل ... و هكذا أصبح جيش عمر بن سعد ثلاثين ألفاً من الجنود .
كان الشمر يحمل رسالة هامّة من أمير الكوفة عبيد الله بن زياد و فيها : أن يعرض على سيدنا الحسين أمرين لا ثالث لهما :
أن يسلّم نفسه دون قيد أو شرط ، أو الحرب " فإن قُتل الحسين فأوطى الخيل صدره و ظهره ، فإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع ، و إن أبيت فاعتزل عملنا و جندنا ، و خلّ بين شمر بن ذي الجوشن و بين العسكر ، فانّا قد أمرنا بذلك " .
قرأ ابن سعد الرسالة و قال :
ـ و الله لا يستسلم حسين ، فإنّ نفس أبيه بين جنبيه .
كان الشمر ينتظر استقالة بن سعد ليتولّى بنفسه قيادة الجيوش ، ولكن عمر ابن سعد ، كان أكثر دناءة من الشمر ، و أصرّ على قيادة الجيش ، و عيّن الشمر قائداً للمشاة .
الأمان
أبرز الشمر رسالة أخرى فسأله بن سعد قائلاً :
ـ ما هذا ؟
قال الشمر :
ـ هذا أمان العباس و إخوته عبد الله و عثمان و جعفر ، فوالدتهم من قبيلتي ، و نحن أخواله .
جاء الشمر يحوطه الجنود ، و وقف قريباً من معسكر الحسين ( عليه السَّلام ) و صاح :
ـ أين بنو أُختنا ! أين العباس و إخوته ؟
سمع العباس صياح الشمر ، لكنّه لم يجبه . كان العباس ( رضوان الله عليه ) يحتقر الشمر ، لأنّه رجل نذل أطاع يزيد ، و عبيد الله بن زياد ، وعصى الله عز وجلّ و رسوله ، و جاء يحارب سبط النبي ( صلى الله عليه وآله ) . لهذا احتقره الجميع و لم يكترثوا له .
قال سيدنا الحسين :
ـ أجيبوه ... و لو كان فاسقاً .
نهض العباس و إخوته وتقدّموا نحوه .
قال العباس :
ـ ما تريد ؟!
أجاب الشمر و هو يحاول خداعهم و تخويفهم :
ـ يا بني أُختي أنتم آمنون ، فلا تقتلوا أنفسكم مع الحسين ، و الزموا طاعة ( أمير المؤمنين ) يزيد !
شعر العباس بالغضب ، و هو يصغي إلى كلمات الشمر التي تنضح نفاقاً ، كيف يكون يزيد الفاسق القاتل أميراً للمؤمنين ؟!
قال العباس و هو يدير ظهره :
ـ لعنك الله و لعن أمانك ، أتؤمننا و ابن رسول الله لا أمان له !!
و تأمرنا أن ندخل في طاعة اللعناء و أولاد اللعناء !!
عاد العباس إلى المخيم ... و استقبله أحد أنصار الحسين ( عليه السَّلام ) و هو زهير بن القين . كان زهير قد تذكّر حاثة قديمة . قال زهير للعباس :
ـ أتحبّ أن أحدّثك بحديث وعيته ؟
أجاب العباس :
ـ نعم .
قال زهير :
ـ لمّا أراد أبوك أن يتزوج ، طلب من أخيه عقيل ، و كان عارفاً بأنساب العرب ، طلب منه أن يختار له امرأة ولدتها الفحولة من العرب ، لتلد له فتىً شجاعاً ... فاختار له أُمك فاطمة .
لكأنّ أباك يا عباس ادّخرك لهذا اليوم .
فقال العباس ، و قد امتلأت نفسه حماساً و تألّقت في عينيه شجاعة أبيه :
ـ أتشجعني يا زهير في مثل هذا اليوم ؟! و الله لأرينّك شيئاً ما رأيته !
قال زهير :
ـ لقد رأيتك بالأمس كيف تشقّ الصفوف ، و تقتحم الفرات .
إعلان الحرب
في مساء التاسع من المحرّم ، أصدر عمر بن سعد أوامره بالزحف نحو مخيم سيدنا الحسين
كان سيدنا الحسين جالساً أمام خيمته . سمعتْ أخته زينب أصوات الرجال فقالت لأخيها الحسين :
ـ العدو يزحف باتّجاهنا !!
قال الحسين لأخيه العباس :
ـ اركب إليهم و اسألهم ما الذي يريدون ؟
امتطى العباس جواده ، و معه عشرون فارساً ... كان حبيب بن مظاهر الأسدي يسير إلى يمينه ، و زهير بن القين إلى يساره .
اعترض الفرسان تقدم جيش يزيد ، و نادى العباس :
ـ ما الذي تريدون ؟!
أجاب عمر بن سعد :
ـ جاء أمر الأمير عبيد الله بن زياد ، أن نعرض عليكم الاستسلام او الحرب .
عاد العباس بمفرده إلى المخيم ليحيط سيدنا الحسين علماً بذلك .
حاول حبيب أن ينصح جنود الكوفة ... هؤلاء الذين أرسلوا إلى سيدنا الحسين آلاف الرسائل يستغيثون به ، و يستنجدون به ليخلّصهم من الظلم . و لمّا لبّى استغاثتهم جاءوا يحاربونه !!
و لكن لا فائدة .. لم يعد هؤلاء الأوغاد يسمعون شيئاً سوى أوامر عبيد الله بن زياد .
قال سيدنا الحسين لأخيه :
ـ ارجع إليهم و استمهلهم هذه العشيّة إلى غد لعلّنا لربّنا الليلة ، و ندعوه و نستغفره ... فهو يعلم أنّي أُحب الصلاة له ، و تلاوة كتابه .
رجع العباس و طلب من عمر بن سعد مهلة إلى صباح غد .
استشار ابن سعد قادته ، فطلبوا منه أن يوافق على ذلك ، كان بعضهم يظنّ أن سيدنا الحسين سوف يستسلم .
فليس من المعقول أن يحارب الإنسان بسبعين مقاتلاً فقط جيشاً مؤلفاً من ثلاثين ألف مقاتل !!
و أخيراً قال ابن سعد للعباس :
ـ إنا أجّلناكم إلى غد ، فإن استسلمتم ذهبنا بكم إلى الأمير ابن زياد ، و إلاّ فالحرب .
الليلة الأخيرة
و في تلك الليلة ، جمع سيدنا الحسين أصحابه و أهل بيته ، و تحدّث إليهم قائلاً :
ـ أُثني على الله ، أحسن الثناء ، أحمده على السرّاء و الضرّاء ، اللهم إني احمدك على أن أكرمتنا بالنبوّة ، و علمتنا القرآن ، و فقّهتنا في الدين ، و جعلت لنا أسماعاً و أبصاراً و أفئدة ، و لم تجعلنا من المشركين .
أما بعد :
فإنّي لا أعلم أصحاباً أولى و لا خيراً من أصحابي ، و لا أهل بيت أبرّ و لا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكم الله عنّي جميعاً .
كان سيدنا الحسين يعرف أنّ هذا هدف يزيد هو قتله ، لهذا قال لأصحابه :
ـ ألا و إنّي أظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً ، و إنّي قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ ، ليس عليكم منّي ذمام ... و هذا الليل قد غشيكم ، فاتّخذوه جَمَلاً ، و ليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، فجزاكم الله جميعاً خيراً ! ، و تفرّقوا في مدائنكم ، فإنّ القوم إنّما يطلبونني ، و لو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري .
و هنا نهض سيدنا العباس و قال بحزن :
ـ لِمَ نفعل ذلك ؟! لنبقى بعدك ؟! لا أرانا الله ذلك أبداً .
و تتابع إخوة الحسين و أبناؤه و أبناء أخيه بكلمات كلّها إيمان و شجاعة و استبسال قائلين : إنّ الحياة بدون سيدنا الحسين لا قيمة لها ، و إنّ الدنيا التي يحكم فيها يزيد بن معاوية لا تساوي شيئاً .
رؤيا
في تلك الليلة ...غفا سيدنا الحسين وقت السحر ، فرأى في عالم النوم عشرات الكلاب تهاجمه و تنهشه ، و رأى كلباً أبقع اللون متوحشاً ، كان ينهشه في عنقه . استيقظ سيدنا الحسين من نومه .
و أمضى سيدنا الحسين تلك الليلة في قراءة القرآن و الدعاء و الاستغفار ... كان يفعل ذلك و هو يصلح سيفه .
أمّا سيدنا العباس فكان يدور حول خيام الأطفال و النساء يحرسهن من غدر العدوّ .
و في تلك الليلة ، أمر سيدنا الحسين أن يقاربوا بي الخيام ، و راح سيدنا الحسين و أصحابه يحفرون خندقاً وراء المخيم ، ثمّ ملأوا الخندق بالحطب ، لإشعال النار فيه وقت الحاجة .
يوم عاشوراء
أشرقت شمس العاشر من المحرم حزينة ، كأنها تبكي من أجل الأبرياء ، تبكي من أجل الأطفال و الأُمهات و الآباء الظامئين ... تبكي من أجل سبط سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله ) .
أصدر عمر بن سعد أمره بالهجوم ، و بدأت السهام تنهال على مخيم سيدنا الحسين كالمطر . و هكذا اشتعلت المعركة .
اشتبك جيش سيدنا الحسين القليل العدد مع جيشٍ جرّارٍ مؤلَّفٍ من ثلاثين ألف جندي .
و تساقط الشهداء فوق الرمال ، كما تتساقط النجوم و تنظفئ .
استشهد أصحاب الحسين ... استشهد الحرّ الرياحي و حبيب بن مظاهر الأسدي ، و زهير بن القين ، و مسلم بن عوسجة ، و نافع بن هلال ، تساقطوا جميعاً دفاعاً عن سيدهم الحسين ( عليه السَّلام ) .
و جاء دور أهل البيت ، فانطلقوا يتسابقون إلى الشهادة ، الواحد بعد الآخر . فاستشهد عليّ الأكبر ، و عبد الله بن مسلم و إخوته ، و استشهد إخوة سيدنا الحسين عبد الله ، و عثمان و جعفر . و لم يبقَ مع سيدنا الحسين سوى أخيه بطل كربلاء ، العباس بن عليّ ( عليه السَّلام ) .
كان سيدنا الحسين قد سلّم الراية لأخيه ، فكانت تخفق عالياً منذ اشتعال المعارك الضارية .
و ها هي الساعات تمرّ ، و العباس يقاتل ببسالة ، و في كلّ مرّة كان العباس يهاجم الآلاف لينقذ بعض أصحاب الحسين ممّن يحاصرون أثناء القتال ، أو يحمل أجساد الشهداء ليأتي بها إلى المخيم ، حتى لا يمثّل بها أولئك الأوغاد .
و هكذا ظلّ يقاتل إلى أن تساقط الشهداء ، و عرجت أرواحهم إلى السماء . و عندما لم يبق مع سيدنا الحسين سواه ، تقدّم إلى أخيه ، يطلب منه الإذن بالهجوم .
سمع سيدنا العباس بكاء الأطفال ... كانوا يبحثون عن قطرة ماء في وسط الصحراء . و لكن الذئاب كانت تحاصر النهر ، و لا تسمح لأطفال الحسين أن يشربوا منه حتى قطرة واحدة !!
أخذ سيدنا العباس القربة ، و امتطى صهوة جواده ، و اندفع باتجاه الفرات .
كان ابن عليّ يقاتل آلاف الأوغاد الذين يحاصرون النهر . و كان العباس يتقدّم باتجاه الفرات ، حتى وصل الشواطئ ، و دارت معارك ضارية وسط النخيل ... العباس يندفع باتجاه نهر الفرات ... ها هو يقتحم المياه فيتطاير رشاش الماء .
كان الحصان عطشان فغص في المياه ، و راح يشرب .
مدّ العباس كفّه ليشرب ، و لكنّه تذكّر الأطفال الظامئين ، تذكّر أخاه الحسين ، فرمى الماء بعيداً ... و ملأ القربة .
الجبناء يختبئون وراء أشجار النخيل ، إنّهم لا يجرأون على مواجهة فارس كربلاء .
الغدر
فيما كان العباس يشقّ طريقه بين أشجار النخيل ، كان أحد الأوغاد يختبئ وراء نخلة ... في يده سيف مسموم ... كان ينتظر أن يمرّ العباس قريباً من النخلة ليغدر به .
و في تلك اللحظة ظهر المجرم و أهوى بالسيف على يمين سيدنا العباس . سقطت يد العباس ، و سقط السيف .
كان العباس لا يفكّر في تلك اللحظات إلاّ في شئ واحد هو أن يوصل الماء للأطفال ، لكي يشربوا و يرتووا ، و لهذا اندفع يشقّ طريقه بين النخيل .
اختبأ و غدٌ آخر خلف نخلة ، و انتظر اقتراب الفارس الجريح .
عندما صار العباس قريباً اندفع الوغد ، و أهوى بسيفه الغادر على يده اليسرى ، فسقطت . و أضحى سيدنا العباس دون يدين .
كيف سيقاتل إذن ؟! كانت قربة الماء ما تزال سليمة ، و كان العباس يشعر بالأمل
و لكن الأوغاد تجرّاوا و هم يرون فارس كربلاء بلا يدين ، فراحت السهام تنهال عليه من كلّ جانب .
تمزّقت القربة ، و أريق الماء . و شعر العباس بالآلام .. آلام الأطفال ، و آلام جراحه .
و فيما هو يشق طريقه ، جاءه سهمه فنبت في قلبه . و شعر العباس بأنه يموت ، و جاء وغد و في يده عمود فضرب سيدنا العباس على رأسه ، و هنا سقط الفارس .
و عندما يسقط الفارس من فوق جواده فإنّه يتلقّى الأرض بيديه ، حتى يخفّف من شدّة السقوط . و لكن سيدنا العباس لم تكن عنده يدان ، لهذا سقط على رأسه فتضاعفت آلامه .
و أطلق سيدنا العباس صيحة الوداع :
ـ عليك منّي السلام يا أبا عبد الله !
سمع سيدنا الحسين نداء أخيه فاندفع نحو شواطئ الفرات ، و فرّ الأوغاد مذعورين ، و هم يشاهدون سيف الحسين يهوي كالصاعقة .
وصل سيدنا الحسين إلى أخيه ، كان العباس في اللحظات الأخيرة من حياته ، كان ينتظر أخاه ليودّعه الوداع الأخير .
جلس الحسين عند رأسه ، و حاول أن يوقف تزف الدماء . و لكن لا فائدة ، فعشرات الجراح كانت تتدفق دماً .
أراد أن يحمله . قال العباس بصوت واهن :
ـ يا أخي دعني في مكاني .
و لأوّل مرّة يخاطب سيدنا العباس أخاه قائلاً : يا أخي . لقد كان يخاطبه قائلاً : يا سيدي . و في هذه المرّة شعر أنّه سيموت بعد لحظات فقال له : أخي لأنّها كلمة تخرج من القلب .
و شيئاً فشيئاً أغمض سيدنا العباس عينيه ، و صعدت روحه إلى السماء ، تشكو إلى الله ظلم يزيد .
عاد الحسين إلى المخيم وحيداً ، كان يبكي ، و كانت الدموع تسيل على وجهه . همس الحسين مع نفسه قائلاً :
ـ الآن انكسر ظهري .
شعر سيدنا الحسين أنّه لم يعد قادراً على تحمّل كلّ هذه المصائب ، و ها هو أخوه بطل الفرات ، و فارس كربلاء يستشهد ، و يتركه وحيداً .
عندما سقط العباس شهيداً ، تجرّأ الأوغاد ، و راحوا يهاجمون مخيّم الحسين بوحشيّة . اندفعت عشرات الذئاب ، و قد كشّرت عن أنيابها تريد أن تأكل الأطفال !.
ها هو الحسين يبقى وحيداً . سقطت الراية ، و لم يحملها بعده أحد .
و ها هو العباس بين أشجار النخيل نائم ... روحه تسبح في السماء ... ها هو يطير بجناجين كما يطير عمّه جعفر الشهيد بمؤتة ... و كلاهما قطعت يداه في الجهاد .
واضيعتنا بعدك
عاد سيدنا الحسين يبكي إلى المخيم . جاءت سكينة تستقبل عمّها العباس . فرأت أباها وحيداً ... أدركت سكينة أنّ عمّها قد ذهب و لن يعود . تركهم وحدهم وسط آلاف الذئاب ، لهذا صاحت بلوعة :
ـ يا عمّاه !
و سمعت زينب بكاء سكينة فصاحت بحزن :
ـ وا أخاه وا عباساه ! ... وا ضيعتنا بعدك .
تمتم سيدنا الحسين بأسىً قائلاً :
ـ وا ضيعتنا بعدك .
العباس ما يزال يقاتل
و في هذا الزمن و بعد عشرات القرون يرى الزائر لكربلاء و على مقربة من نهر الفرات ، و وسط أشجار النخيل ، قبّة و منائر ذهبية ، ترتفع في السماء و تتألق تحت أشعة الشمس .
نعم ... إنّه مرقد سيدنا العباس ... فارس كربلاء ، و بطل عاشوراء .
و عندما يزور المرء ضريحه اليوم ، تتوهج أمام عينيه بطولات ذلك الفارس المؤمن الذي جسّد أسمى آيات التضحية و الفداء و الاستبسال .
لقد مضى العباس شهيداً في سبيل الإسلام ، إنّه الآن يطير في جنات الفردوس ، أمّا ذكراه فما تزال خالدة في ذاكرة الأجيال .
العودة
لنعد الآن إلى الوراء قروناً ... لنعد إلى كربلاء عندما كانت صحراء ... إلى شواطئ الفرات .
الحسين ما يزال يقاتل ... يصدّ هجمات آلاف الذئاب ، و آلاف
و شيئاً فشيئاً أغمض سيدنا العباس عينيه ، و صعدت روحه إلى السماء ، تشكو إلى الله ظلم يزيد .
عاد الحسين إلى المخيم وحيداً ، كان يبكي ، و كانت الدموع تسيل على وجهه . همس الحسين مع نفسه قائلاً :
ـ الآن انكسر ظهري .
شعر سيدنا الحسين أنّه لم يعد قادراً على تحمّل كلّ هذه المصائب ، و ها هو أخوه بطل الفرات ، و فارس كربلاء يستشهد ، و يتركه وحيداً .
عندما سقط العباس شهيداً ، تجرّأ الأوغاد ، و راحوا يهاجمون مخيّم الحسين بوحشيّة . اندفعت عشرات الذئاب ، و قد كشّرت عن أنيابها تريد أن تأكل الأطفال !.
ها هو الحسين يبقى وحيداً . سقطت الراية ، و لم يحملها بعده أحد .
و ها هو العباس بين أشجار النخيل نائم ... روحه تسبح في السماء ... ها هو يطير بجناجين كما يطير عمّه جعفر الشهيد بمؤتة ... و كلاهما قطعت يداه في الجهاد .
واضيعتنا بعدك
عاد سيدنا الحسين يبكي إلى المخيم . جاءت سكينة تستقبل عمّها العباس . فرأت أباها وحيداً ... أدركت سكينة أنّ عمّها قد ذهب و لن يعود . تركهم وحدهم وسط آلاف الذئاب ، لهذا صاحت بلوعة :
ـ يا عمّاه !
و سمعت زينب بكاء سكينة فصاحت بحزن :
ـ وا أخاه وا عباساه ! ... وا ضيعتنا بعدك .
تمتم سيدنا الحسين بأسىً قائلاً :
ـ وا ضيعتنا بعدك .
العباس ما يزال يقاتل
و في هذا الزمن و بعد عشرات القرون يرى الزائر لكربلاء و على مقربة من نهر الفرات ، و وسط أشجار النخيل ، قبّة و منائر ذهبية ، ترتفع في السماء و تتألق تحت أشعة الشمس .
نعم ... إنّه مرقد سيدنا العباس ... فارس كربلاء ، و بطل عاشوراء .
و عندما يزور المرء ضريحه اليوم ، تتوهج أمام عينيه بطولات ذلك الفارس المؤمن الذي جسّد أسمى آيات التضحية و الفداء و الاستبسال .
لقد مضى العباس شهيداً في سبيل الإسلام ، إنّه الآن يطير في جنات الفردوس ، أمّا ذكراه فما تزال خالدة في ذاكرة الأجيال .
العودة
لنعد الآن إلى الوراء قروناً ... لنعد إلى كربلاء عندما كانت صحراء ... إلى شواطئ الفرات .
الحسين ما يزال يقاتل ... يصدّ هجمات آلاف الذئاب ، و آلاف الأوغاد و الجبناء ... ها هو يواجه بمفرده ثلاثين ألف مقاتل . تُرى ما ذا حصل بعد استشهاد أخيه العباس ( عليه السَّلام ) ؟!
الأوغاد و الجبناء ... ها هو يواجه بمفرده ثلاثين ألف مقاتل . تُرى ما ذا حصل بعد استشهاد أخيه العباس ( عليه السَّلام ) ؟!
عدل سابقا من قبل my love iraq في الثلاثاء يناير 26, 2010 11:59 pm عدل 1 مرات (السبب : موضوعك طووووويل)
عبدالله العبادي- عدد المساهمات : 14
نقاط : 30
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 01/12/2009
رد: قصة الامام العباس عليه الاسلام الجميله اقرا وشوف
يا شباب مش تزعلون مني عن القصه
عبدالله العبادي- عدد المساهمات : 14
نقاط : 30
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 01/12/2009
مواضيع مماثلة
» قصت النبي ادم عليه السلام
» اهل الكساء اقرا هام وكلام جميل
» تخيل انت معزوم ........ادخل وشوف
» اجمل مناضر طبـيـعـية بالعالم :,: تعال وشوف الجمال
» صور اطفال يخبلون ادخل وشوف الجمااااااال........ فوت فوت المنتدى بيتك
» اهل الكساء اقرا هام وكلام جميل
» تخيل انت معزوم ........ادخل وشوف
» اجمل مناضر طبـيـعـية بالعالم :,: تعال وشوف الجمال
» صور اطفال يخبلون ادخل وشوف الجمااااااال........ فوت فوت المنتدى بيتك
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى